فصل: البحث الثالث هيئة أضلاع الصدر والبطن جملة وتفصيلًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



.البحث الثاني هيئة الأضلاع والمنفعة في خلقتها كذلك:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
ولما كان الصدر يحيط بالرئة والقلب.
إلى قوله: والأضلاع السبعة العليا تسمى أضلاع الصدر.
الشرح:
كل واحدة من آلات التنفس وآلات الغذاء تفتقر إلى وقاية تحيط بها لكن هذه الوقاية لو جعلت الآلات الغذاء محيطة من كل جهة عرض من ذلك مضار: أحدها: أن هذه الآلات موضوعة في أسافل التنور فلو أحاطت الأضلاع بها من كل جهة تعذر على الإنسان الانثناء والانعطاف إلى قدام وإلى الجانبين وفي ذلك من الضرر ما لا يخفى.
وثانيها: أن تناول الإنسان وغيره من الحيوان الغذاء إرادي وعن شهوة تدعو إلى ذلك فهو ما يعرض أن يكون ما يتناوله أزيد من المقدار الذي يحتمله تجويف هذه الأعضاء وحينئذٍ لا بد وأن يتمدد وأن يتسع بقدر تلك الزيادة فلو كانت الأضلاع محيطة من كل جانب لكانت: إما أن تكون أكثر من القدر الذي تملؤه تلك الأعضاء بقدر ما يكون تزيدها بالتمدد فيكون البطن كبيرًا جدًّا مثقلًا أو لا يكون كذلك فيعرض لهذه الآلات تضرر شديد بالانضغاط وامتناع الاتساع لما يكون في داخلها.
وثالثها: أن تناول الغذاء لما كان إراديًا لم يلزم أن يكون المتناول منه هوا لذي يجود هضمه واستمراؤه بسرعة بل كثيرًا ما يكون غليظًا منفخًا ويلزم ذلك حدوث الرياح والنفخ في داخل هذه الآلات وخصوصًا إذا كان قد عرض لها ضعف ويلزم ذلك أن يتمدد ويكثر تجويفها فلو كانت الأضلاع تحيطها من كل جهة لعرض من ذلك ما قلناه فلا بد إذن من تخلي بعض الجهات عن إحاطة الأضلاع بها فإما أن تكون تلك الجهة هي جهة قدام أو لا تكون كذلك.
والثاني: يلزمه أن تكون تلك الجهة غائبة عن حراسة الحواس فتكون هذه الآلات معرضة لحصول الآفات من تلك الجهة كثيرًا فلا بد وأن تكون تلك الجهة هي قدام البدن.
فاضطر إلى أن تكون الأضلاع المحيطة بآلات الغذاء منقطعة من قدام وينبغي أن يكون انقطاعها ذلك بتدريج ليكون على الهيئة التي لا بد منها في التمكن من الانثناء والانعطاف واتساع الموضع ليزيد هذه الآلات لتكون في ذلك مراعاة هذه المنفعة أمر الاحتياط والوقاية ولا كذلك الأضلاع المحيطة بآلات التنفس فإنها موضوعة في أعالي تنور البدن حيث لا يمنع حركة الانثناء والانعطاف ولأن تلك الآلات لا تفتقر إلى تزيد مقدارها كما تحتاج إليه آلات الغذاء فإن أخذ الهواء بالاستنشاق وإن كان إراديًا إلا أن الازدياد منه ليس مما يلتذ به بزيادة الغذاء فلا يكون هناك ما يدعو إلى التزيد من الاستنشاق كما من جذب الغذاء فلا تفتقر تلك الآلات إلى أن يزداد عظمها بزيادة كثيرة فلذلك جعلت الأضلاع الواقية لها محيطة بها من كل جهة خصوصًا وزيادة شرف هذه الآلات تحوج إلى زيادة الاحتياط عليها فلذلك لم تخلق أضلاعها منقطعة.
قوله: فخلقت الأضلاع السبعة العليا مشتملة على ما فيها ملتقية عند القص محيطة بالعضو الرئيسي من كل جانب الأضلاع عددها أربعة وعشرون ضلعًا من كل جانب اثنا عشر وليس كما يقال إن النساء نقصن ضلعًا أو أزيد فإن ذلك من الخرافات وعشرة منها محيطة بآلات الغذاء من كل جانب خمسة وأربعة عشر محيطة بآلات التنفس وإنما كانت هذه أكثر مع كون آلات الغذاء وأكبر وذلك لأن هذه الأضلاع ليست تحيط بجميع آلات الغذاء لأن ذلك مما يمنع الانثناء والانعطاف بل إنما يحيط بأعاليها فقط وذلك المكان يحتوي على أقل من آلات التنفس وأصغر وأما لم البرهان جعل كل واحد من هذين النوعين بهذا العدد المخصوص فلم يظهر لي إلى الآن وكأنه مما لا يمكن البرهان عليه وإنما احتيج أن تكون أضلاع الصدر ملتقية عند السبب في ذلك أن هذه الأضلاع يحصل لها بعظام القص اتحاد واعتضاد فيشتد بعضها ببعض.
قوله: فكأن أعلاها أقرب مسافة ما بين أطرافها البارزة يعني أن التفاوت في أطوال العالية من أضلاع آلات الغذاء أقل من التفاوت في أطوال السافلة منها وسبب ذلك أن يكون انعطافها على هيئة قطعة من دائرة فإن ذلك أكثره لينًا لسهولة حركة الانثناء والانعطاف إلى قدام وأبعد عن منال الآفات. والله ولي التوفيق.

.البحث الثالث هيئة أضلاع الصدر والبطن جملة وتفصيلًا:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
والأضلاع السبعة العليا تسمى أضلاع الصدر.
إلى آخر الفصل.
الشرح:
إن الحيوانات تختلف بحسب هذه العظام فمنها ما ليس له في هذه المواضع عظم البتة كالدود والمحززات ونحوها.
ومنها ما يكون له هناك عظام كثيرة كالأضلاع وهذه إما أن تكون بجملتها على هيئة الاستدارة فيكون الصدر عريضًا وذلك هو للإنسان خاصة والفيل يقرب من الإنسان في ذلك أو لا يكون كذلك وذلك كجميع الماشية وإنما خلق الإنسان كذلك لأن هذا الشكل أو سع وأقل قبولًا للآفات وإنما حرم ذلك باقي الحيوانات لأنها تحتاج إلى دقة الصدر إما ليكون البعد بين أيديها قريبًا فتتمكن من قوة الثبات عليها والمشي وذلك كذوات الأربع الماشية عليها.
وإما لتستعين بذلك على جودة الطيران كما في الطيور فإن دقة صدورها وهو الجؤجؤ يسهل عليها خرق الهواء عند الطيران وإما لتستعين بذلك على جودة السباحة كما في السمك ولذلك جعل مقدم السفينة دقيق الأسفل جدًّا ليكون خرقه للماء في الحركة أسهل.
وأضلاع الصدر بجملتها على شكل قريب من الكرى لما عرفته من المنافع فلذلك يكون الوسطان منها أطول من كل جانب فوق وأسفل ثلاثة متطاولة أي يبتدئ من قصر إلى طول فيكون الذي على الضلعين الطويلين أطول مما بعده وكذلك حتى تنتهي إلى الأقصر إذ بهذه الهيئة تقرب من الكرة.
ومع ذلك فمساحة الصدر ما بين قدام وخلف أقل ما بين الجانبين وسبب ذلك أن له فيما بين الجانب من خلف عظام الصدر ومن قدام عظام القص والأضلاع من كل واحد منها على هيئة نصف دائرة فيتسع ما بين الجانبين لا محالة لو جود الفاصلة بين رؤوس الأضلاع وهي الفقرات من خلف والقص من قدام وحكمة ذلك أن يكون ما بين الثديين كثير السعة لتكون جهات الحركات لهما متسقة وكل واحد من الأضلاع مع كونه محدبًا إلى الوحشي مقعرًا إلى الأنسي ففيه أيضًا تحديب إلى أسفل وتقعير إلى فوق ويأخذ في التحديب إلى أسفل من حين يفارق المفصل الذي عند الصلب ويرجع طرفه الآخر إلى فوق عند قريب مفصله مع القص وإنما كان كذلك لأمرين: أحدهما: ليكون أطول فإن المستقيم أقصر الأبعاد وما هو أبعد عن الاستقامة يكون لا محالة أطول والحكمة في زيادة طوله التمكن من زيادة اتساع المكان.
وثانيهما: لتكون وقاية كل ضلع أكبر لأنه يمر في مواضع مختلفة ويوقي ما هو داخل لكل موضع منها وثخانة كل ضلع أقل من عرضه لأن ثخانته إنما يقصد بها القوة وما هي عليه من الثخانة كافٍ في ذلك وأما زيادة العرض لأجل زيادة الوقاية وذلك هو المقصود من الأضلاع فيجب أن يكون بأعظم مقدار يمكن أن تكون عليه الأضلاع.
قوله: ويدخل في كل واحد منها زائدتان في نقرتين غائرتين في كل جناح من الفقرات تشبه أن يكون هذا غلطًا من النساخ.
والصواب: أن يقال: في نقرتين غائرتين وذلك لأن الزائدتين غير طويلتين اللهم إلا أن يكون المراد بقوله غائرتين مطلق الغور لاما هو المفهوم في عادة الأطباء.
وإنما جعل هذا المفصل بزائدتين لأن الأضلاع تحتاج أن تكون لها حركة يسيرة ليتمكن اتساع الصدر والبطن عند الحاجة إلى ذلك وضيقهما عند فقدان الحاجة إلى الاتساع فلم يمكن أن يكون هذا على هيئة اللزاق أو الدرز فإذًا: إنما يمكن أن تكون على هيئة الركز تكفي فيه زائدة واحدة ونقرة واحدة وإلا كان الضلع متهيئًا لأن يدور في مفصله ضرورة أن هذا المفصل غير موثق وذلك عند ضربة تتفق على جرمه ونحو ذلك ويلزم ذلك تضرر اللحم والعضل المحيط به ولا بد وأن تكون زوائده ونقره كثيرة والاثنتان من ذلك يكفي في العرض فيجب أن لا يزاد عليهما ولا بد وأن تكون الزائدتان غير طويلتين والنقرتين غير غائرتين وإلا كانت حركة الضلع تتعذر ويكون المفصل موثقًا وهيئة هذا المفصل له من كل ضلع ففي طرفه من فوق زائدة لها غلظ ما وهي مستديرة غير طويلة تدخل في نقرة من جناح الفقرة غير غائرة على سعة تلك الزائدة فيركب الضلع على ذلك الجناح فإذا انتهى إلى طرفه برزت منه زائدة أخرى أدق وأصغر من التي فوقها تدخل في نقرة في طرف الجناح على سعتها فيحدث من ذلك لكل ضلع مع الجناح الذي يركب عليه مفصل مضاعف.
قوله: وكذلك السبعة العاليا مع عظام القص معناه أن الأضلاع العالية التي هي سبعة من كل جانب لكل واحد منها عظم من عظام القص مفصل هو كذلك أي هو مضاعف أي من زائدتين تدخلان في نقرتين وفي كلام جالينوس ما يدل على أن هذا المفصل هو برأس واحد يدخل في نقرة غير غائرة أي قليلة الغور وأما الأضلاع الخمسة القصار فأطرافها غضاريف تتصل بالحجاب اتصال التحام وأطراف الأربعة العليا منها متصلة بعضها ببعض والله ولي التوفيق.

.الفصل الخامس عشر تشريح عظام القص:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
القص مؤلف.
إلى آخره.
الشرح:
قد علمت أن الغرض بعظام القص هو تقوية تركيب الأضلاع بعضها مع بعض حتى تكون متصلة من خلف ومن قدام والأضلاع التي تتصل به سبعة أزواج فينبغي أن يكون هذا العضو من سبعة عظام ليتصل بكل زوج أعظم ولم يجعل الكل عظمًا واحدًا طويلًا وذلك لأمرين: أحدهما: أن لا تعم الآفة العارضة.
وثانيهما: ليكون له أن يتحرك شبيه حركة الأضلاع في انبساط الصدر وانقباضه.
فإن قيل: إن حركة هذه العظام محال.
أما أو لًا: فإن مفاصلها موثقة فتكون حركة أحد عظميها دون الآخر محالًا.
وأما ثانيًا: فلأن هذه العظام إنما يتصل بعضها ببعض بغضاريف يتوسط بينهما يلتزق كل عظمين منها بغضروف بينهما ومعلوم أن ذلك مما لا يمكن معه حركة أحد العظمين بدون الآخر.
وجوابه: إن هذه الحركة ليست كحركة أحد عضوي مفصل بل بأن ينعطف الغضروف الذي بين العظمين تارةً ويستقيم أخرى وذلك لأن الغضاريف بينها لا يمتنع عليها الانعواج اليسير فبهذا الوجه يمكن حركة عظام القص ولا ينافي ذلك أن تكون عظامه ملتصقة بالغضاريف ولا أن تكون مفاصله موثقة وشكل هذا العضو بجملته شبيه بشكل السيف.
فلذلك يسميه بعضهم سيفًا وبعضهم إنما يسمي بذلك الغضروف الذي في أسفله الذي يسمى في المشهور: خنجرًا.
وفائدة هذا الغضروف أمران: أحدهما: أن يحجب الجلد عن ملاقاة آخر عظام القص يتألم بصلابتها.
وثانيهما: أن يكون وقاية لفم المعدة فإنه موضوع هناك.
ووصول الصدمات والضربات ونحوها إليه شديد الإضرار به فخلق هذا الغضروف وقاية له كالحال في عظمي الزوج لعضلات الصدغين. والله ولي التوفيق.